في عائلةٍ تغمرُها البهجةُ، وُلدَ طفلٌ جديدٌ، وعمَّتِ الفرحةُ الأرجاءَ بقدومِهِ. احتفلتِ القلوبُ كبارًا وصغارًا، لكن سرعانَ ما لاحظَ الجميعُ ظهورَ لونٍ أصفرَ خفيفٍ على جسدِهِ النحيلِ، فأدركوا إصابتَهُ باليرقانِ.
قررتِ الجدةُ أنْ تعرضَ حفيدَها للضوءِ الأزرقِ، الذي يُشاعُ أنَّهُ العلاجُ السحريُّ. فقد أخبرتْها أمُّها منذ زمنٍ بعيدٍ أنَّهُ علاجٌ فعّالٌ لكلِّ داءٍ، وأنَّها اعتمدتْ عليه في تربيةِ أبنائِها.
لكن الأمَّ استنكرتِ الأمرَ، وهاجمت الجدة
“ما هذه الخرافات؟ هل يمكن أن يكونَ الضوءُ الأزرقُ علاجًا لطفلي الرضيعِ من اليرقان؟
إنَّها هرطقاتٌ باليةٌ – لن أصدِّقَ ولن أسمحَ لكِ بالتجربةِ على ولدي.”
وعندما عادوا إلى الطبيبِ، كان إصرارُهُ على استخدامِ العلاجِ بالضوءِ الأزرقِ مفاجئًا للجميعِ.
فتساءلوا في حيرةٍ: هل من المعقولِ أن يكونَ مجردُ تعريضِ الطفلِ لهذا اللونِ العجيبِ هو الحلُّ لمشكلةِ اليرقان؟
فهم اليرقان النووي: خطورته وأسبابه
يُعتبرُ اليرقانُ النوويُّ من الأمراضِ الشائعةِ والخطيرةِ التي قد تصيبُ حديثي الولادة. يحدثُ هذا المرضُ نتيجةَ تراكمِ مادةِ البيليروبين في الدمِّ، إمَّا بسبب سوء التصنيع أو ضعف قدرة الكبد على إفرازها لانسداد إحدى الأقنية المُفرغة.
عندما تتجاوز مستوياتُ البيليروبين الحدودَ الطبيعيةَ، يبدأ هذا المركب بالتراكم في الأنسجة، بما في ذلك الدماغ. يؤدِّي هذا التراكم إلى ترسُّب البيليروبين في النويات العصبية، مما يسبِّب أضرارًا دائمةً في الدماغ، خصوصًا في النويات القاعدية.
_”مهلًا يا دكتورة! ألم تخبريني سابقًا بألا أقلق وأن الحالة ليست خطيرة؟ كيف تقولين الآن إنَّها قد تؤدِّي إلى تلفٍ دماغي؟!”_
“نعم، قد يُؤدِّي إلى تخلُّفٍ عقليٍّ إذا ارتفعت مستوياتُ البيليروبين كثيرًا متجاوزةً بذلك الحدودَ المرضية الطبيعية.”
أقرأ أيضًا: بين الموروث الشعبي والعلم الحديث قصة الفول الأخضر
اليرقان عند الرضع: طبيعة وظيفية
أمَّا اليرقانُ الفسيولوجيُّ لدى الرضع فهو حالةٌ طبيعيةٌ تحدث خلال الأسابيع الأولى من حياتهم نتيجة تأخر نضج وظائف الكبد. يظهر اللون الأصفر كعلامةٍ حيويةٍ على تراكم البيليروبين في الدم.
وكأن الكبد يخاطب بقية الأعضاء قائلًا:
_”ما هذه الأطعمة؟ هذه المرة الأولى التي أراها! أحتاج وقتًا للتعرُّف عليها وهضمها. أمهلوني قليلًا لأبدأ العمل.”_
فيظهر اللون الأصفر على أنسجة الرضيع كمؤشر طبيعي لتراكم البيليروبين ريثما يعلن الكبد بدء تشغيل وظائفه بكفاءة.
ومتى علي أن أقلق يا طبيبتي؟
عندمت تتجاوز مدة ظهور اللون الأصفار الأسابيع الأولى.
الضوء الأزرق: العلاج العلمي
أمَّا تعريض الرضيع للضوء الأزرق فهو مُثبتٌ علميًا وصحيح. يعمل الضوء الأزرق على تحلُّل البيليروبين وتحويله إلى مركباتٍ يسهل على الجسم التخلص منها.
_”نعم إنَّها صحيحةٌ لا أكذب وكما قرأت تمامًا.”_
إذ يعمل الضوء الأزرق كمؤشرٍ حيويٍّ للكبد، يخبره: _”أيُّها الكبد، اعمل بسرعة ولا تتأخر!”_
ويحفِّز الكبد في تصنيع أنزيماته اللازمة لهضم المركبات الجديدة التي يأكلها.
لكن يجب أن نكون واعين بأنَّ العلاج بالضوء قد يسبِّب نقصًا في فيتامين B2 (الريبوفلافين)، لأنَّ هذا الفيتامين حساسٌ للضوء وقد يتخرب عند التعرُّض له.
لذا عزيزتي الأم، امنحي كبد طفلك الوقت اللازم ليعمل بكفاءة. استمعي جيدًا لنصائح حماتك. تجنبي إعطاءَه الأدوية التجارية، حيث يمكن أن تؤثِّر سلبًا على صحتِهِ.
تذكري أنَّ كبد طفلك يحتاج فقط إلى بعض الوقت ليعمل بكفاءة، لذا لا تُلحي عليه لطفًا.

